- 16 -
الإمام ناصر محمد اليماني
10 - 05 - 1431 هـ
24 - 04 - 2010 مـ

12:45 صباحاً
_______


{ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }
صدق الله العظيـــــم ..


بسم الله الرحمن الرحيم، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين..
ويا بنور اتقِ الله ولا تقل عليه بالظن فإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً. تصديقاً لقول الله تعالى:
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿36﴾} صدق الله العظيم [يونس]

فانظر لفتواك بالظنّ ونقتبس من بيانك ما يلي:
اقتباس المشاركة :
إن صلاة الجمعة كصلاة في يوم من الأسبوع لا أصل لهذه الصلاة في كتاب الله ، بل الذي ذكره الله هو أن الناس كانوا إذا أتى يوم الجمعة أي يوم السوق ذهبوا للتجارة وتركوا الصلاة فأنزل الله تحذيرا في هذا الشأن وإليك ما قال الله . يقول عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ، فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) فانتبه جيدا يا أخي ، إنه لم يقل إذا نودي لصلاة الجمعة بل قال من يوم الجمعة أي إذا نودي للصلاة اليومية التي تعرفونها وكان يوم الجمعة أي اليوم الذي تجتمعون فيه للتجارة وجمع المال ( فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) فاذهبوا للصلاة واتركوا البيع إلى بعد الصلاة ، وكما هو معروف فإن الأسواق تقام باكرا قبل طلوع الشمس مما يجعلها تتصادف مع صلاة الفجر التي يسمونها صلاة الصبح ويبين القرآن أن الناس كانوا يذهبون للسوق وخصوصا التجار لأن الآية تركز عليهم أكثر من غيرهم فهم المعنيين بالدرجة الأولى لأنهم هم الذين يذهبون للسوق بكرة لبناء مواقعهم وتحضير سلعتهم لعرضها للبيع ولذلك كانوا يتركون الصلاة ويذهبون للبيع وهذه الظاهرة تبقى دائما موجودة مهما ذكرت الناس لأن البائعون يفتنون عند فتح الأسواق ، وهذه حقيقة تراها بعينيك الآن لو رجع الناس إلى الصلاة التي أنزلها الله وأمرنا بها حيث يجب أن يصلي المؤمن طيلة الفجر إلى قبل طلوع الشمس فهذا كله وقت الصلاة يجب أداؤه من بدايته إلى نهايته وقد وضحت هذا بإذن الله في المواضيع التي كتبتها عن الصلاة لمن أراد أن يرجع إليها ، إذن كما ذكرت فإن الصلاة تصطدم تماما مع فتح الأسواق وبالتالي فالناس تركوا الصلاة وذهبوا إلى الأسواق فأنزل الله هذه الآيات ليحذرهم من فعلهم هذا ، فقال لهم ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ، فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) أي اذهبوا إلى الصلاة واتركوا البيع إلى بعد الصلاة ، وتأمل ماذا قال لهم بعد ذلك ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) أي عندما تنتهوا من الصلاة اذهبوا لتجارتكم ويقصد بذلك صلاة الصبح لأنها تبدأ بكرة مع افتتاح الأسواق التي تبدأ هي أيضا بكرة فيجب ترك البيع والذهاب للصلاة ، وإذا نظرنا للصلاة التي يسمونها بصلاة الجمعة فإنهم يصلونها وقت الظهيرة ، علما أن القرآن نزل بمنطقطة صحراوية ، فالظهيرة وخصوصا في فصل الصيف أمر لايطاق ، فكر معي قليلا يا أخي ، كيف يقول الله لهم ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) أي عندما تنتهوا من الصلاة وذلك وقت الظهيرة وفي الصحراء كيف يقول لهم بعد ما تنتهوا من الصلاة إذهبوا إلى البيع والتجارة ، فأي سوق تفتح في ذلك الوقت ، يا أخي هذا وقت قيلولة ، وهذا الوقت وصفه الله بعورة يخلو الناس بأنفسهم للراحة والنوم وليس للتجارة والذهاب للأسواق ، تابع معي يا أخي ماذا قال الله في هذا الوقت ، فقد ذكر الله في آية أخرى يقول( يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات ، من قبل صلاة الفجر ، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ، ومن بعد صلاة العشاء ، ثلاث عورات لكم
تأمل جيدا هذه الآية ، أولا : فقد وصف الله وقت الظهيرة بأنه وقت عورة أي بمعنى أن الناس يكونون في بيوتهم وفي خلوة مع أنفسهم أو بمعنى آخر أن هذا الوقت ليس وقت حركة يخرج الناس فيه خارج البيوت وبالتالي لا يوجد حركة للذهاب إلى المسجد ، وهذا يكفي كدليل لمن هو عاقل
انتهى الاقتباس
انتهى الاقتباس.

ومن ثُمّ يردُ عليك الإمام ناصر مُحمد اليماني: أشهدُ لله يا بنور أنّك تقول على الله بالظنّ الذي لا يغُني من الحقّ شيئاً! وتفسيرك تفسير ظنّيٌّ وليس لهُ بُرهانٌ. وقال الله تعالى:
{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿36﴾} صدق الله العظيم [يونس].

وأقول أولاً إنّ النداء لصلاة الفجر هو في وقت آخر الليل قبل أن تُفتح المتاجر حين يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر بالأفق الشرقي، ولذلك حتى إذا سمع النداء الصائمون يبدأوا صومهم فيتمّونه إلى الليل حين ظهور الشفق الغربي لشمس الأصيل التي توارت وراء الحجاب فينتهي النهار ويبدأ الليل بظهور الشفق بالأفق الغربي، والبرهان لنداء صلاة الفجر في قول الله تعالى:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} صدق الله العظيم [البقرة:187].

فانظر قول الله تعالى:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} صدق الله العظيم، إذاً بدء الصيام هو بسماع النداء لصلاة الفجر وأما الإفطار فهو بسماع النداء لصلاة المغرب، فكيف تجعل النداء لصلاة الفجر من بعد أن تُفتح المحلات والأسواق؟ ولكن هذا لن يجده الباحثون عن الحقّ أنّ الأسواق والمعارض تُفتح لتداول البيع في آخر الليل؛ بل بعد طلوع الشمس تبدأ الأسواق والمحلات شيئاً فشيئاً، ولكنّك تقول على الله بالظنّ الذي يُخالف للعقل والمنطق؛ بل جعلت وكأن الصلوات ليست إلّا يوم الجمعة، سبحان ربي! بل لأنّه يعلم أنه قد أنزل صلاة الجمعة في وقت تكون كافة المحلات والأسواق مفتوحة جميعاً ولذلك أمرهم إن يريدوا الخير لأنفسهم أن يذروا البيع فيسعوا إلى ذكر الله وهي الخطبة. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿55﴾} صدق الله العظيم [الذاريات].

ومن ثُمّ ذكر الصلاة حتى إذا قُضيت فيذهبوا أينما يشاءوا سواءً إلى أسواقهم ليبتغوا من فضل الله أو إلى بيوتهم، وأما ميقات الظهيرة فذلك بعد تناول وجبة الغداء يشعر المرء أنه يُريد أن يسترخي فقد يضع ثيابه ولذلك جعل الله ذلك ميقات عورة وليس فيه قيام صلاةٍ مفروضةٍ على المؤمنين، فوقت الظهيرة هو ما بعد الظُهر في القيلولة، ولكنك تنفي التسبيح لله المفروض في صلاة الظُهر حين تكون الشمس بمنتصف السماء وذلك ميقات النداء لصلاة الظُهر. تصديقاً لقول الله تعالى:
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴿17﴾ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴿18﴾} صدق الله العظيم [الروم].

وأرجو من بنور وجميع الباحثين عن الحقّ في طاولة الحوار التوقف قليلاً هُنا للتفكر والتدبر فما يقصد الله بقوله:
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ}، فهل ذلك ميقاتٌ معلوم بالضبط أم مطلق؟ وقال الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} صدق الله العظيم [الزمر:42]. فيتبيّن لكم المقصود بقوله: {حِينَ} أنه وقتٌ معلوم، ولذلك قال الله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} صدق الله العظيم، وذلك وقتٌ معلوم في أول الليل من الشفق إلى الغسق لبداية الظُلمة ميقات التسبيح لصلاة المغرب والعشاء.

وأما قول الله تعالى:
{وَحِينَ تُصْبِحُونَ}، وذلك ميقاتٌ معلوم لفرض التسبيح في صلاة الفجر حين يُسفر الصبح فتدبر النجوم عن الناظر، وذلك قبل طلوع الشمس في ميقات الظل وذلك ميقات الإقامة لصلاة الفجر وليس ميقات النداء؛ بل ميقات الإقامة لأداء صلاة الفجر حين يدبر الليل ويسفر الصبح. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ﴿33﴾ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴿34﴾} صدق الله العظيم [المدثر]؛ وذلك ميقاتٌ مُكرَمٌ للتسبيح لله في صلاة فجر اليوم الجديد. فتبيّن لكم أنّ المُراد من قول الله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} إنه يقصد ميقاتٌ معلوم لصلاةٍ مفروضةٍ على المؤمنين.

ونأتي لقول الله تعالى:
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴿17﴾ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴿18﴾} صدق الله العظيم [الروم].

فتبيّن لكم حين الظُهر أنّه توجد فيه صلاةٌ مفروضةٌ على المؤمنين في ميقات المُنتصف بين طرف نهار الغدو ونهار العشي حين يقتسم النهار إلى نصفين، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا قال الله تعالى:
{وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} صدق الله العظيم؟ فلماذا ذكر العصر ومن ثُمّ الظُهر؟ وذلك لأنّ صلاة العصر والظُهر لا يفترقان إما أن تكون جمع تأخير أو جمع تقديم، ولذلك تجدوه قدّم صلاة العصر على صلاة الظُهر، بقول الله تعالى: {وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} صدق الله العظيم.

وسبق بيان ميقات العشي من مُحكم الكتاب وأنّه قبل غروب الشمس، والبرهان تجدوه في قول الله تعالى:
{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴿30﴾ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ﴿31﴾ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴿32﴾ رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ﴿33﴾} صدق الله العظيم [ص].

فتبيّن لكم إنّ العشي هو قبل غروب الشمس وذلك ميقات صلاة العصر، ولكنّكم تجدون قوله تعالى:
{وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} صدق الله العظيم، فتجدون أنّه ذكر العصر ومن ثُمّ الظُهر وذلك ليكون استنباط البُرهان لجمع التأخير والتقديم لصلاة الظُهر والعصر. ويُريدُ الله بكم اليُسر ولا يُريدُ بكم العُسر. أفلا تتقون؟

وكذلك تجدون البُرهان لقيام صلاة الظُهر والعصر جمع تقديم في قول الله تعالى:
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ} صدق الله العظيم [هود:114]، وحتى تعلموا إنه يقصد بقوله طرفي النهار إنه ليس بطرفه عند الغروب ولا عند الشروق، بل يقصد حين تقسم الشمس النهار إلى شطرين وهم نهار الغدو ونهار العشي، فيكون ميقات الظُهر بين طرفي نهار الغدو ونهار العشي. وبما إنّ هذا البيان ليس بقول الظن ولذلك تجدون البُرهان لذلك في قول الله تعالى: {فَاصْبِرْعَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِلَعَلَّكَ تَرْضَىٰ﴿130﴾} صدق الله العظيم [طه].

فانظروا كيف إنّه ذكر صلاة الفجر والعصر بقول الله تعالى:
{فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} صدق الله العظيم، ومن ثُمّ ذكر صلاة العشاء والمغرب في ميقات أول الليل بقوله تعالى: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} صدق الله العظيم، ومن ثُمّ يتبيّن لكم قول الله تعالى: {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ} صدق الله العظيم، إنه حقاً لم يقصد طرف النهار من جهة الغرب ولا طرف النهار من جهة الشرق، نظراً لأنّه ذكر صلاة الفجر والعصر بقوله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} صدق الله العظيم. ومن ثُمّ ذكر صلاة المغرب والعشاء في آناء أول الليل بقوله تعالى: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} صدق الله العظيم، فهل بقي غير ميقات الظُهر؟ ولذلك قال الله تعالى: {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ} صدق الله العظيم.

فها نحن آتيناك بالبُرهان المُبين لصلاة الظُهر والعصر يا بنور، وبما أنّ بيانك يتبع فقط ظاهر الآيات من غير تدبّرٍ ولا تفكّرٍ هل يُناقض بيانك آياتٍ أُخرى في الكتاب من الآيات المُحكمات، وبما أنّ بيانك أصبح ظنّيٌّ فسوف تُعرض عن قول الله تعالى:
{وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} صدق الله العظيم؛ فهذا يعني إنّه أذن لكم بصلاة العصر والظُهر جمع تأخير أو جمع تقديم، وسبب الإذن بجمع التقديم من أجل المُسافرين من بعد الظُهر فيستطيعون أن يصلّوا الظُهر والعصر جمع تقديم. ويا بنور والله الذي لا إله غيره إنّ الصلوات المفروضات هي خمس صلوات ولكل صلاةٍ ركعتين فرضاً في سفر أو في حضر، وسمح الله لكم أن تجمعوا الظُهر مع العصر جمع تأخير أو تجمعوا العصر مع الظُهر جمع تقديم لحكمةٍ بالغةٍ لو كنتم تعلمون، حتى إذا غزاكم الكفار في الحضر أثناء صلواتكم فيستطيع الذين صلّوا الظُهر مع العصر جمع تقديم الدفاع عن أعراضكم ودياركم إذا أراد المكر بكم الذين كفروا أثناء صلاتكم في الحضر.

ولربّما يودّ أن يقاطعني آخر فيقول: "ويا أيها المهديّ المُنتظَر، وكيف إذا مكر بهم الذين كفروا أثناء صلاة الفجر؟". ومن ثُمّ يردُ عليه المهديّ المُنتظَر وأقول: لقد علّمكم الله بالشرط المُحكم في كتاب الله لصلاة القصر:
{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} صدق الله العظيم [النساء:101].

وإن قال: "ولكن يا أيها المهديّ المُنتظَر فإذا لم يكونوا يعلمون بفتنة الكفار المُدبّرة أثناء صلاة الفجر؟" ومن ثُمّ يردُ عليهم المهديّ المُنتظر، وأقول: فإنما تأخذوا حذركم من البينات، وإذا لم يتبين لكم الخطر فتوكلوا على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه فقد وكّل بحراستكم في صلاة الفجر عند الخطر الحرسَ الذين يشهدون صلاة الفجر من ملائكة الليل والنهار. تصديقاً لقول الله تعالى:
{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} صدق الله العظيم [الإسراء:78]، وإنما ملائكة الرحمن أولياؤكم في الحياة الدُنيا وفي الآخرة، ولذلك قالوا: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} صدق الله العظيم [فصلت:31]، ولكن ذلك لمن توكّل على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه ويرسل إليه حرساً من عنده. وقال الله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴿11﴾} صدق الله العظيم [الرعد].

ولربما يودّ أن يقاطعني آخر فيقول: "إذاً لن يستطيع قتلنا الكُفارُ أثناء صلاة الفجر". ومن ثُمّ نردُ عليه بقول الله تعالى:
{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} صدق الله العظيم [الرعد:11]، فلن يستطيع أن يمنع عنك القدر الذي كتبه الله لك كافة من في السماوات والأرض وإلى الله تُرجع الأمور تصديقاً لقول الله تعالى أنّ منكم من يُريدُ الآخرة ويُريدُ الشهادة فيقتل شهيداً وهو بين يدي ربه، ومنكم من يُريدُ البقاء من أجل الله ليزداد بحُبه وقُربه، ومنكم من يُريدُ الدُنيا ومن كان يُريدُ البقاء في الحياة الدُنيا محبةً للحياة الدُنيا فقد رضي بها وذلك مبلغهم من العلم أولئك قومٌ لا يعقلون. ألا والله الذي لا إله غيره إنها لن تكون حياتكم لله حتى لا تريدوا البقاء في هذه الدُنيا إلّا من أجل الله، وكذلك الذين يُريدون الممات من أجل الله فأولئك طلبوا الحياة الحقّ. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿169﴾} صدق الله العظيم [آل عمران].

وأولئك سبب طلبهم للموت من أجل الله ليفوزوا بالجنة وحورها وبنعيمٍ فيها مُقيم عظيم وهم بذلك فرحون. تصديقاً لقول الله تعالى:
{الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿168﴾ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿169﴾ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿170﴾ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿171﴾ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿172﴾ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿173﴾} صدق الله العظيم [آل عمران].

وأكرم منهم قوم يحبهم ويحبونه، فهم لا يحذرون من الموت في سبيل الله ويرجون من الله أن يُبقيهم في هذه الحياة حتى يتحقق الهدف الحقّ، فيشاركوا طيلة حياتهم في إعلاء كلمة الله حتى يتحقق الهدف الحقّ والهُدى فتكون كلمة الله هي العليا فيصبح الناس أمةً واحدةً على صراطٍ مُستقيمٍ برغم إن الحياة الدُنيا كالحبس عليهم وطويلة على قلوبهم من شدّة اشتياقهم للقاء ربهم ولكنهم يعبدون رضوان الله كغايةٍ وليس كوسيلةٍ؛ أولئك قومٌ يحبهم ويحبونه لن يستطيع الله أن يرضيهم بملكوته أجمعين حتى يتحقق النعيم الأعظم.

ولربما يود أن يقاطعني أحد عُلماء الأمّة ويقول: "اتقِ الله يا ناصر مُحمد اليماني فكيف تقول: (لن يستطيع الله أن يرضيهم بملكوته أجمعين) أليس الله على كُلّ شيءً قدير؟" ومن ثُمّ يردّ عليه المهديّ المُنتظَر وأقول: إنّي لم أُحدد قدرة ربي سُبحانه فهو قادر أن يؤتيهم ملكوته ثُمّ يزيدهم بمثله ثُمّ يزيدهم بمثله إلى ما لا نهاية، ولكن ذلك العرض لا ولن يزيدهم إلّا إصراراً وتثبيتاً على تحقيق النعيم الأعظم من ملكوت الله أجمعين، وهو أن يكون الذي يحبهم ويحبونه قد رضي في نفسه فلم يعُد مُتحسراً ولا حزيناً على عباده الذين ظلموا أنفسهم، وليس ذلك منهم رحمةً بالناس بل لأنّ حبيبهم هو أرحم منهم بعباده ولذلك علموا بعظيم حُزنه وتحسره على عباده ورفضوا نعيم الجنة وحورها ويُريدون من ربهم أن يرضى وليس فقط يرضى عليهم؛ بل يريدون من ربهم أن يرضى في نفسه، ولكن لن يتحقق رضوان الله في نفسه حتى يُدخل عباده في رحمته، أولئك قوم أحبوا الله بالحُبّ الأعظم من حُبّ نعيم الدُنيا والآخرة؛ أولئك قومٌ
{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}؛ أولئك الربانيون صفوة البشرية وخير البريّة ليسُوا بأنبياء ولا شُهداء، يتمّ حشرهم إلى الرحمن وفداً مُكرمين على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشُهداء وإنّا لصادقون، فمن كان منهم فوالله الذي لا إله غيره ليعلم أنّ ناصر مُحمد اليماني هو حقاً المهديّ المُنتظَر لا شك ولا ريب ولن يستطيع فتنته عن الحقّ أحدٌ وذلك بسبب اقتناعه الشديد بأنّ حُبّ الله وقربه ونعيم رضوان نفسه هو حقاً النعيم الأعظم من جنته، وبسبب اقتناعهم الشديد أنّ ربهم حقاً لن يستطيع أن يرضيهم بنعيم المُلك المادي فهو ليس إلا مُلكٌ مادي مهما كان ومهما يكون؛ بل يريدون من ربهم تحقيق النعيم الأعظم من ملكوت الدُنيا والآخرة وهو أن يكون من يحبهم ويحبونه قد رضي ولم يعد متحسراً ولا حزيناً، فما أعظم حبهم لله وما أعظم حب الله لهم أولئك قوم {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} حقّقوا الهدف الحقّ من خلقهم، فهم لرضوان ربهم عابدون وليس كوسيلة بل كغاية فأحبّهم الله وجعلهم من أقرب المُقربين من عباده، فما أكرمهم عند ربهم؛ أولئك قومٌ لم يُبالغوا بغير الحقّ في تعظيم المهديّ المُنتظَر ولا مُحمد رسول الله صلى الله علينا أجمعين وعليهم من ربهم، ولم يقولوا وكيف نُنافس المهديّ المُنتظَر في حُبّ الله وقربه فهو أولى أن يكون أحبّ إلى الله وأقرب كونه خليفة الله المُكرم، كلا؛ بل أمرهم الله أن يقتدوا بهُدى رسوله وخليفته الحقّ فيتّبعوا فينافسوا عباده المُكرمين في حُب الله وقربه، ونُريد جميعاً تحقيق رضوان الله في نفسه فنحن نعبد رضوان الله كغاية وليس كوسيلة، وأما الذين عبدوا رضوان الله كوسيلة فلم يحرّم الله عليهم ذلك حتى إذا تحقق هدفهم (جنة النعيم والحور العين) فتجدوهم: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿170﴾} صدق الله العظيم [آل عمران].

وأما الربانيون العابدون لنعيم رضوان ربهم كغاية فلن يفرحوا بجنّته ما لم يحقق لهم النعيم الأعظم منها وإنْ أمرهم بدخولها فسوف يقولوا: فهل الهدف من خلقنا هو حتى تدخلنا جنتك؟ ثُمّ يردُ عليهم ربهم ويقول:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴿56﴾ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ﴿57﴾} صدق الله العظيم [الذاريات].

أولئك من أكرم المتّقين لن يتمّ حشرهم إلى الجنة لأنّهم لن يرضوا بها، بل تمّ حشرهم إلى الرحمن وفداً مُكرمون يغبطهم الأنبياء والشهداء كما أفتاكم بذلك مُحمد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في الحديث الحقّ، ولكن الذين لا يؤمنوا بالله إلّا وهم مُشركون به عبادَه المقربين يرون الحقّ باطلاً والباطل حقاً! فويلٌ لهم ثُمّ ويلٌ لهم، فلم يقدّروا ربهم حقّ قدره بسبب التعظيم لأنبيائه ورُسله! وإنّما التعظيم بالباطل هو أن تعظِّموا العبد فتجعلوه حداً في حُب الله وقربه فتعتقدوا أنّه لا ينبغي لأحدٍ أن ينافسه في حُب الله وقربه فذلك شركٌ بالله يا معشر المؤمنين المُشركين بسبب التعظيم لعباد الله المقربين. وقال الله تعالى:
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴿106﴾} صدق الله العظيم [يوسف].

{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴿13﴾}
صدق الله العظيم [لقمان].

فاتّقوا الله الذي أدعوكم إلى عبادته بالتنافس في حُبه وقربه ونعيم رضوان نفسه:
{فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴿32﴾} صدق الله العظيم [يونس].

ويا أيها البنور اتّقِ الله، فكيف يكون كذاباً من يدعوك إلى عبادة الله وحده فتنافسني في حُب ربي وقربه وتبتغي نعيم رضوان نفسه سبحانه وتعالى علواً كبيراً! ومن ثُمّ تُفتي في أمر ناصر مُحمد اليماني إنّه كذابٌ أشر! فهل الدعوة إلى الحقّ أصبحت افتراءً وزوراً؟ فمن يُنجيك من عذاب يومٍ عقيمٍ يا من تصدّ عن الصراط المُستقيم؟ وكذلك تُريد مُباهلة المهديّ المُنتظَر! ولكنّي أقسمُ برب العالمين لئن باهلتُك ليلعنك ربي كما لعن إبليس إلى يوم الدين. فاتّقِ الله ولا تأخذك العزّة بالإثم أخي الكريم فأنت جزء من هدفي فلن أفرّط فيك وإن أصررتَ على المُباهلة فسوف أقوم بلعن نفسي إن كنتُ من الكاذبين ولست المهديّ المُنتظَر الحقّ من ربّ العالمين. وبما إنّي المهديّ المُنتظَر لا شك ولا ريب مؤمن باختياري لي من ربي كمثل إيماني إنّ الله ربي الله وحده لا شريك له ولذلك فلن أخشى لعنة الله وذلك إنّما لعنة الله تُخشى مِمّن افترى على الله كذباً بغير الحقّ.

وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين..
أخوكم الإمام المهديّ المُنتظَر الذي صار هو من ينتظركم للتصديق ليظهر لكم عند البيت العتيق؛ ناصر مُحمد اليماني.
_____________