الإمام المهدي ناصر محمد اليمانيّ
18 - ذو الحجة - 1429 هـ
16 - 12 - 2008 مـ
08:00 مساءً
(بحسب التقويم الرسمي لأمّ القرى)
_________



والحجاب هو كنانٌ بين القلب والربّ، فيَحجب عنهم النّورَ الذي يعرفون به رحمةَ ربّهم ..


أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم..
{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿١٨﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ﴿١٩﴾ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴿٢٠﴾ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ﴿٢١﴾ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿٢٢﴾ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ﴿٢٣﴾ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴿٢٤﴾ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ ﴿٢٥﴾ خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [المطففين].

أولئك عباد الله الصّالحون كتابهم المرقوم هو جنّة المأوى في عليّين عند سدرة المنتهى للمعراج، وأما الفُجّار أصحاب النار فهم عكس ذلك أسفل سافلين في سجّين كتابهم المرقوم والموضح في الكتاب. تصديقًا لقول الله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴿١﴾ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿٢﴾ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴿٣﴾ أَلَا يَظُنُّ أُولَـٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ ﴿٤﴾ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٥﴾ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٦﴾ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴿٧﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ﴿٨﴾ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴿٩﴾ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴿١٠﴾ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴿١١﴾ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴿١٢﴾ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿١٣﴾ كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿١٤﴾ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴿١٥﴾ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ﴿١٦﴾ ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴿١٧﴾} صدق الله العظيم [المطففين].

ويوجد في هذه الآيات آية مُتشابهة رقم (١٥)؛ وهو قول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم.

والحجاب هنا حجاب القلوب عن معرفةِ ربّهم ولذلك هم من رحمتِهِ مُبلسون يائسون ولذلك لا يدْعون ربّهم؛ بل يدْعون من دونهِ عبادَه الصالحين من النّاس والملائكة ليشفعوا لهم عند ربّهم ولذلك دعاؤهم في ضلال، وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ ﴿٤٩﴾ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴿٥٠﴾} صدق الله العظيم [غافر].

وأولئك سبب دعائهم لعباد الله الصالحين من دونه هو لأن على قلوبهم حِجابًا عن معرفة ربّهم ولذلك هم من رحمته يائسون ويلتمسون الرحمة مِمَّن هم أدنى رحمةً من الله ليشفعوا لهم عند ربّهم، وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٢﴾ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٥٣﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].

والحجاب هو كنانٌ بين القلب والربّ فيَحجب عنهم النّورَ الذي يَعرفون به رحمةَ ربّهم وعظمتِه ولذلك يأمنُ مكرَ الله القومُ الظالمون، وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} صدق الله العظيم [الكهف:57].

وكنان القلب هو الحجاب عن معرفة الربّ فلا يُبصر الحقّ بنور القرآن العظيم، وقال الله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴿٤٥﴾} صدق الله العظيم [الإسراء].

والحجاب يغطي أعين القلب الباطن فلا تُبصر الحقّ شيئًا. تصديقًا لقول الله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} صدق الله العظيم [الحج:46].

ومَن كان في هذه الدُّنيا أعمى القلب عن معرفة الحقّ فهو كذلك يوم القيامة أعمى عن الحقّ، ولا يزال الحجاب مكانه على القلب عن معرفة الحقّ تبارك وتعالى. تصديقًا لقول الله تعالى: {وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴿٧٢﴾} صدق الله العظيم [الإسراء].

بمعنى إنه إذا أشرك بالله ويدعو من دونه عبادَه المقربين ليُقربوهم إلى الله زُلفى ولم يدعُ الله وحده ولم يقدر الله حقّ قدره فيعرفه حقّ معرفته في هذه الدُّنيا فهو كذلك أعمى عن معرفة ربّه ولا يزال مُشركًا بربه ومستمرًا في الشرك والعمى عن الحقّ يوم القيامة، وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿٢٨﴾} صدق الله العظيم [يونس].

وأما سبب قول الله لهم: {مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ} هو لأنهم لا يزالون يعتقدون أن شُركاءَهم الذين كانوا يدعون من دون الله سوف يشفعون لهم عند ربّهم، وقال الله تعالى: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} صدق الله العظيم [الأعراف:53]. ولذلك قال تعالى لهم: {مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ} صدق الله العظيم.

وعليه، يا معشر النّصارى والمسلمين والناس أجمعين إنه لا يؤمن أكثركم إلّا وهم بربهم مُشرِكون نظرًا لعدم معرفة الرحمن أنه هو أرحم الراحمين، ولو كان الذين يدعون مِن دونه - مَن هم أدنى رحمةً من الله - يعرفون أن ربّهم هو حقًّا أرحم الراحمين لَما سألوا الشفاعة مِن أحدٍ وما توسّلوا إلى ربّهم إلّا برحمته التي كتب على نفسه. تصديقًا لقول الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} صدق الله العظيم [الأنعام:54].

ولكن المحجوبين عن معرفة الله لم ينالوا رحمته لأنهم لا يسألون ربّهم رحمته؛ بل يلتمسون الرّحمة من عباده الذين مِن دونه لأنهم مِن رحمة ربّهم يائسون نظرًا لعدم معرفة الربّ نظرًا لغطاء الحجاب على القلب في الدُّنيا وفي الآخرة.

ولربما الجاهل يقول: "ما بال ناصر محمد اليمانيّ يُجيب ثمّ يزيد إضافةً لَم يُسأل عنها؟". ومن ثمّ أردّ عليه وأقول: وذلك حتى لا أجعل للشيطان على أوليائي سبيلًا فيُشَكِّكهم في الحقّ الذي سبق وأن أفتيتهم فيه عن عدم رؤية الله جهرةً، وحتى لا يوسوس لهم الشيطان عن طريق هذه الآية المُتشابهة بغير الحقّ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم [المطففين].

ومن ثمّ يعتقدون أنه يقصد الرؤية لذات الله فيتّبعون المُتشابِه من أحاديث الفتنة ابتغاء الفتنة، وهو الحديث الموضوع بمكرٍ، فيظن المسلمون أنه جاء بيانًا لهذه الآية، فيعتقدون أن حديث الرؤية جاء تأويلًا لهذه الآية، ولذلك فَهُم يبتغون تأويله ولا يريدون تأويله بالباطل؛ بل يعتقدون أن حديث الرؤية جاء تأويلًا لهذه الآية، وبسبب حرص الذين لا يريدون إلَّا التمسك بالأحاديث النبويّة وحدها مِن دون القرآن من الشيعة والسُّنة أضلّتهم أحاديث الفتنة، ومنها يتشابه مع ظاهرِ آياتٍ في القرآن، وأعجبهم ذلك فيقولون: "أنه جاء هذا الحديث بيانًا لهم". ولكن يا معشر أهل السُّنة والشيعة، لقد زغتُم عن المُحكم أمّ الكتاب في القرآن العظيم.

ولربّما يودّ آخر أن يقول: "بل عقيدة الشيعة هي عدم رؤية الله جهرةً في الدُّنيا وفي الآخرة". ومن ثمّ أقول في هذه العقيدة: هم على حقٍّ فيها ولكن لديهم عقائدُ أخرى تُخالِف لكثيرٍ من الآيات المُحكمات، فكذلك الأحاديث الواردة عن آل البيت فيها كثيرٌ من الأحاديث المُزيّفة عن محمدٍ رسول الله وآله الأطهار، وكذلك أهل السُّنة لديهم أحاديث مُزيّفة عن النّبي عن الصحابة الأخيار.

ويا معشر السنة والشيعة إني أُشهِد الله وكفى بالله شهيدًا أن محمدًا رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - يدعوكم إلى التمسك بكتاب الله وسنّة نبيّه الحقّ التي لا تُخالِف لمُحكَم ما في القرآن العظيم، ويُحذركم الله ورسوله أن تتمسكوا بحديثٍ يُخالف لآيةٍ مُحكَمة مِن أمّ الكتاب فيتشابه مع آيةٍ لا تزال بحاجة للتأويل ثمّ تذروا المُحكَم الواضح والبَيِّن فتتبعوا المُتشابه فتزيغ قلوبكم عن الحقّ فتهلكوا إني لكم من الله نذيرٌ مُبينٌ بالبيان الحقّ للقرآن العظيم.

وأقسمُ بالله العظيم لا يجادلني عالمٌ مِن القرآن إلَّا غلبته بالحقّ بإذن الله، وإن لم أستطِع فلست الإمام المهديّ إلى الحق.

ويا عجبي من علماء المسلمين فهم لا يكادون أن يستعملوا عقولهم شيئاً؛ بل يَتَّبِعون الاتّباع الأعمى! وأضرب لكم على ذلك مثلًا: الحديث الحقّ الذي لم يَرِد كما لفظه محمدٌ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - عن فِتَن المسيح الدّجال أنه يُحيي ويُميت وتنقاد السماء لأمره فيأمرها أن تُمطِر فتُمطِر ويأمر الأرض أن تُنبِت فتُنبِت فيجعلها جنةً مع أنه يَدَّعي الربوبية! فهذه الروايات تخالِف لكافة آيات الكتاب مُحكَمه ومُتشابهه.

ويا قوم هذه حُجج الله الخارقة لا يستطيع الباطل أن يأتي بشيءٍ منها؛ بل لا يستطيع أن يخلق ذُبابةً لأنه لا يملك روح القدرة المُطلَقة؛ أمْر الله (كُن فيكون). وضَرب الله لكم على ذلك مثلًا مقتول بني إسرائيل الذي ضربه موسى بقطعة لحمٍ من البقرة فنهض حيًّا ليريكم الله آياته الدالة على وحدانيته والتي لا يفعلها مَن يدّعي الربوبية سواه سبحانه وتعالى علوًّا كبيرًا كما إحياء ميتٍ وقد كان ميتًا مقتولًا، وقال الله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٧٣﴾} صدق الله العظيم [البقرة].

وبما أن نبي الله موسى لا يدّعي الربوبية؛ بل يدعو بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده وأصدق الله دعوته بالحقّ بآية التصديق من عنده لأنه يدعو - موسى عليه الصلاة والسلام - إلى الحقّ وحده لا شريك له ولذلك أصدقه الحقّ بآية التصديق لدعوة الحقّ الدالة على الحقّ الذي يدعو إليه نبيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام فأيّده الله بآيةٍ لا يستطيع أن يفعلها إلَّا الذي بعث موسى بالحقّ وهو الله ربّ العالمين لذلك قال الله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٧٣﴾} صدق الله العظيم.

فتدبَّروا قول الله تعالى في نفس الآية: {كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} صدق الله العظيم.

فكيف للمسيح الدجال أن يأتي بآيات الله الدالة على وحدانيته مع أن المسيح الدجال يدّعي الربوبية؟ أفلا تعقلون؟! ألم يقُل الله تعالى: {كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} صدق الله العظيم.

وما يُبدئ الباطل وما يُعيد.

وسلامٌ على المُرسَلين والحمدُ لله ربّ العالمين..
الإمام ناصر محمد اليماني.
__________________